قديس من أنطاكية، ولد صفرونيوس الذي يعني اسمه "العفَّة" في دمشق، من أبوين تقيَّين عفيفين، هما بلنثوس وميرا. كان ذلك حوالي العام 550م. تمتع بطاقات عقليَّة كبيرة. وبموهبة شعريَّة فذَّة. جمع بين الحكمة والعفة فلقّب بـ "الحكيم". ونهل العلوم في صباه ومن ثم علّمها.
أدرك صفرونيوس بحكمته البشرية أن هناك حكمة أكثر رفعة من الحكمة الأرضية. وهي الحكمة التي لا تضاهيها حكمة، ألا وهي الحكمة السماوية التي هي من الروح القدس. وكان يعلم أن الحصول على هذه النعمة الإلهية لا يمكن إلاَّ بالعيش المرضي لله. لذلك راح يزور الأديرة والمناسك المحيطة بأورشليم، برحلة حجِّ في الأماكن المقدَّسة هناك. ولمَّا دخل أحد الأديرة الشركوية، وهو دير القديس ثيودوسيوس، التقى راهباً اسمه يوحنا، هذا كان كاهناً فاضلاً. هذا التصق به صفرونيوس من دون تحفظ وتتلمذ عليه. ثقة عميقة ربطت الاثنين، حتَّى أن صفرونيوس صار رفيقاً دائماً لمعلمه في كلِّ رحالته لزيارة الآباء القديسين والانتفاع بهم وجمع أخبارهم.
لم يكن سعي صفرونيوس ومعلمه في جمع أخبار الآباء القديسين في أورشليم فقط، بل في القسطنطينية والإسكندرية أيضاً. لذلك راحا يتنقلان كالنحل من زهرةٍ إلى زهرةٍ، بين الآباء القديسين الذين هم "فلاسفة الروح القدس".
في الإسكندرية صيَّر يوحنا صفرونيوس راهباً إثر داءٍ ألمَّ به ولم يكن يتوقع أن يشفىَ منه. لكن بنعمة الله تعافى قديُسنا وأخذ، مذاك، يجاهد وتلميذه من أجل خلاص نفسيهما والآخرين. لذلك وقفا في وجه هرطقة الطبيعة الواحدة.
أقام صفرونيوس ويوحنا في الإسكندرية بضع سنوات. إلى حين أخذ الفرس يتهدَّدونها، حيث خرجا إلى القسطنطينية ومن هناك ارتحلا إلى رومية.
بعد وفاة يوحنا معلم صفرونيوس. نقل صفرونيوس جسد معلمه إلى دير القديس ثيودوسيوس، في فلسطين، حيث ترهب أصلاً بعد أن تعذر نقله إلى سيناء كما طلب. فأقام صفرونيوس في أورشليم مع اثنا عشر تلميذاً له. المدينة المقدَّسة كانت لا تزال في يد الفرس. وبعد أن حقق هرقل انتصارات على الفرس، عاد زكريا بطريركها مستعيداً العود المحي (الصليب) إلى رئاسة الكنيسة، التي كانت بيد مودستوس بالوكالة. لم يبقى زكريا في كرسيه طويلاً لأنه رقد واختير عوض عنه مودستوس. الذي رقد أيضاً بعد ذلك بسنتين، فحلَّ محله صفرونيوس بعد أن ترقىَّ بالمراتب الكهنوتية.
عمل صفرونيوس على نشر الإيمان القويم والوقوف في وجه الهرطقات. كالمشيئة الواحدة التي قالت بطبيعتين في المسيح ولكن بمشيئة واحدة. حيث دعا إلى مجمع محليّ أدان الهرطقة المستجدَّة.
من مؤلفاته مقالات عدة وكتابات تعليمية وأناشيد تدل على موهبته الشعرية والموسيقية. منها الايذيوميلة «وهي قطع صلاتية ذات نغم خصوصي». ومن أعماله أيضاً أنشودة "صوت الرب على المياه..." التي تُتلى خلال الساعات الكبرى في عيد الظهور الإلهي، وأنشودة رؤساء الشعوب "اجتمعوا على الرَّب..." التي تُرنَّم يوم الخميس العظيم. كذلك وضع العديد من أخبار القديسين. كحياة القديسة مريم المصرية.
كذلك فاوض الخليفة عمر بن الخطاب، إثر الفتح العربي وحصار أورشليم لسنتين، حيث أمنه الخليفة على المسيحيين والأماكن المقدَّسة التابعة لهم، وفتحت أبواب المدينة، وكان ذلك سنة 638م.
لم يعش قديس الله بعد فتح أبواب مدينة القدس طويلاً. ذلك، لأن الرَّب اختاره إليه. كان ذلك، فيما يُظنّ، في حدود العام 639م، وقد عاصر بذلك حدثين مهمين:
اولهما: ظهور هرطقة "المشيئة الواحدة في المسيح" حيث انبرى القديس مدافعاً عن المعتقد الارثوذكسي ومتنقلاً من مقاطعة الى اخرى رغم تقدمه في الشيخوخة. وكان لا يزال راهباً آنذاك.
الحدث الثاني هو دخول الاسلام الى المدينة المقدسة اورشليم. وكان لا يزال صفرونيوس بطريركاً عليها. فما إن علم بقرب دخولهم حتى ابعد الصليب المقدس الى القسطنطينية ورضي بتسليم المدينة بعد ان اشتد الحصار الاسلامي على أن يتعهدها الخليفة عمر بن الخطّاب نفسه. فوضع عمر ميثاقه مع صفرونيوس البطريرك على جبل الزيتون، ومن ثم صلّى على أنقاض هيكل سليمان حيث قام في ما بعد جامع عمر. وبذلك حفظ القديس صفرونيوس كنائس المدينة المقدسة وشعبها، كما حافظ على "وديعة" الإيمان الأرثوذكسي.
له مقالات عدة وكتابات تعليمية واناشيد كنسية لا زلنا نرتلها الى اليوم: "صوتُ الرب على المياه.." التي تتلى في عيد الظهور الالهي، و"رؤساء الشعوب اجتمعوا على الرب.." التي تُرتَّل يوم الخميس العظيم. كتب أيضًا العديد من سِيَر القديسين مثل سيرة القديسة مريم المصرية.
تعيّد له الكنيسة في الحادي عشر من آذار.
طروبارية باللحن الرابع
لقد أظهرتكَ أفعالُ الحق لرعيتك قانوناً للإيمان، وصورةً للوداعة ومعلماً للإمساك، أيها الأب صفرونيوس، فلذلكَ أحرزتَ بالتواضع الرفعة وبالمسكنةِ الغنى، فتشفع إلى المسيح الإله أن يخلص نفوسنا.